معلمون بلا مقاعد.. أحكام قاسية تطول 14 معلماً في كردستان إيران
معلمون بلا مقاعد.. أحكام قاسية تطول 14 معلماً في كردستان إيران
في أحد أحياء مدينة سنندج، تجلس نسرين كريمي، معلّمة اللغة الفارسية منذ سبعة وعشرين عاماً، أمام كومة من دفاتر تلاميذها السابقين. اليوم لم تعد نسرين تقرأ لهم النصوص أو تصحح الأخطاء الإملائية؛ بل تعيد قراءة مصيرها.
بقرار إداري، أُجبرت على التقاعد مع تخفيض درجتين وظيفيتين، لتغادر المدرسة التي كانت بيتها الثاني قسراً.. تقول لزميلة مقرّبة: "أصعب ما في الأمر أن يُنتزع من المعلّم حقه في أن يكون صوتاً لتلاميذه"، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، الخميس.
القصة لا تقف عند نسرين وحدها.. فقد أعلنت نقابة المعلمين في كردستان إيران عن صدور أحكام قاسية طالت 14 معلّماً في مدن ديواندره، سقز، وسنندج، بتهم ترتبط مباشرة بنشاطهم النقابي والدفاع عن حقوق التلاميذ.
طرد وفصل وتقاعد
شملت الأحكام الطرد الدائم، الفصل المؤقت، التقاعد الإجباري، بل وحتى النفي، ما اعتبرته النقابة أوسع حملة إقصاء ممنهج ضد المربين في السنوات الأخيرة.
في ديواندره، طُرد أربعة من أبرز الناشطين النقابيين: برويز أحسني، كاوه محمد زاده، هيوا قريشي، وأميد شاه محمدي.
وفي سقز، واجه ثلاثة آخرون عقوبات متفاوتة؛ من ستة أشهر فصل لشهرام كريمي، إلى تقاعد إجباري لسليمان عبدي بعد أكثر من عقدين من الخدمة.
أما في سنندج، فجاءت الضربة الأكبر: سبعة معلمين حُكم عليهم بين الطرد الدائم والنفي، من بينهم مجيد كريمي بعد 23 عاماً من التعليم، وغیاث نعمتي بعد 17 عاماً، وليلا زارعي التي قضت 30 عاماً في التدريس قبل أن تُبعد عن منصبها وتُحال إلى التقاعد قسراً.
واقع موجع للمعلمين
المفارقة أن هذه القرارات صدرت في الوقت الذي صرّح فيه مدير التربية والتعليم بالمحافظة، سيد فؤاد حسيني، لوسيلة إعلام محلية قائلاً: "لا معلّم واحداً قد تم طرده في هذه المحافظة".
وأثار التصريح غضب النقابة التي رأت فيه محاولة للتعمية على واقع موجع يعيشه عشرات المعلّمين وأسرهم.
وأكدت النقابة أنها ستكشف قريباً أسماء المسؤولين الذين شاركوا في "تلفيق الملفات" وإصدار الأحكام، مشددة أن استهداف المعلّمين لن يؤدي إلا إلى تعميق أزمة التعليم في بلد يعاني أصلاً من فجوات كبيرة في الكادر التعليمي والبنية التربوية.
أثر إنساني يتجاوز المدرسة
أحكام الطرد والتقاعد لا تعني فقط خسارة وظيفة، فهي تمثل حرمان أسرة كاملة من مصدر رزقها، وتسرّب طلاب من فصولهم بسبب غياب أساتذتهم المتمرسين، كما تترك ندوباً عاطفية على جيل كامل تعلّم أن معلمه قد يُعاقب فقط لأنه رفع صوته مطالباً ببيئة تعليمية أفضل.
يصف محمد حبيبي، المتحدث باسم "المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين"، هذه القرارات بأنها "إعدامات مدنية" بحق المعلّمين، ويضيف: "لا إحصاء واضحاً لعدد الذين فُصلوا بعد احتجاجات 2022، لأن كثيرين يفضّلون الصمت خوفاً من مزيد من الانتقام".
أحكام الطرد هذه لا تُقرأ فقط على أنها إجراءات إدارية؛ بل جزء من معركة كبرى بين السلطة التي تسعى لإخضاع النقابات، والمعلّمين الذين يرون أنفسهم خط الدفاع الأول عن المجتمع.
ففي بلد يتجاوز عدد تلاميذه الـ13 مليوناً، يبقى المعلّم هو صلة الوصل بين الأجيال، وأي استهداف له يهدد مستقبل التعليم بأكمله.